‫الرئيسية‬ نافذة تحليلية في حرب اللاعنف: تأملات في ٦ ابريل
نافذة تحليلية - أبريل 8, 2020

في حرب اللاعنف: تأملات في ٦ ابريل

الخرطوم الشاهد
محمد فاروق سلمان

في هذه المسافة التي نجحت ثورة ديسمبر في عبورها بين منصة التحريض حتى حالة الثورة بقيت كثير من التحديات والإشكاليات في اعتلاء الفاعلين المحرضين لمنصة قيادة الثورة وأكثر من كسلهم الفكري وضعف تجارب الحكم وعدم الدراية بنظم إدارة الدولة عندهم، اظن انهم عدموا الحصانة الوحيدة التي كانت تجعل تعلم كل هذا ممكنا ومقبولا: التواضع، ليست التواضع في التعاطي مع الحاضر وحسب ولكن التواضع في استحضار الماضي وسرد الوقائع والتي لم تكتفي ابدا بالاحتفاء بما حدث والوقوف عنده ولكن هذا الاحتفاء المبالغ بالذات والوقوف عند الشخوص، ومحاولة اعادة صياغة الوقائع نفسها.

اكبر ردة يمكن ان تحدث للثورة هي العودة بحالة الفعالية الجماهيرية هذه لمنصة التحريض مرة اخرى، وان تحتكر نخبة بلا رؤية كالتي تفعل الان قيادة المشهد وتعود الجماهير لحالة اللامبالاة والتي ستكون اكثر إحباطًا ويأساً وهذا عندما يحدث لن يكون غير دورة اخرى من دورات الفشل وهنا تزيد كلفة التغيير وقد تطول آجاله.

قد تكون ادوار البعض ملهمة وشجاعة وتضحيات كثيرين طوال ثلاثين عام مهمة وشكلت البدايات الحقيقية لما حدث في يوم ستة ابريل ولكن لم يكن لما حدث ان يحدث لو لم يكن الجميع في ذلك الموعد اكثر استعدادا للفداء انفسهم، وبأنفسهم: فأصبح بعد هذا التاريخ الجميع ثواراً وصارت البطولة هي الغالبة والاستثناء هو الجبن والتخاذل، قد يتشجع الناس لإشاعة كون البشير قد تنحى وقد يكون البعض قد اجتهد لوضع مسارات سرية وخطط غير معلنة ولكن كل هذا لم يحقق ما تم في هذا التاريخ من فعل الحشود في وضح النهار ومساراتهم المعلنة ومواجهات استمرت طوال نهار ذلك اليوم.

لا تعرف كثير من النخب وجمهور هذه النخب عندنا عن حركة الجماهير والثورات الا من خلال منشورات احزابهم وبياناتها، او من خلال “نجومهم” المفضلين لذا تظل الثورة عندهم حبيسة فعل التحريض هذا ومنصته، ورغم عن اهمية عملية التحريض هذه الا ان اثورة حالة تتحقق بتجاوز المحرضين انفسهم وياخذ الأفراد المبادرة بأنفسهم: فالثورة فعلك عندما لا تنتظر احدا، ويصنع عندها الجميع الفرق الذي كان يصنعه المحرضين ممن قادوا النضال تاريخيًا.

“الكراود” الحشود:
في ظل عدم اكتراث النخب وجمهورهم ووعيهم المحدود بحالة الثورة يطل منطق مخاطبة الحشود كأساس لبروز قيادات كثيرة كشخوص وأفراد وجماعات طموحين وتبدا مغالطات كثيرة في منطق الحشود هذا “الكراود”، وتتقدم الثورة عنده الأشخاص الأكثر جراءة واقل تواضعا واقل معرفة ايضا، يبدون اكثر اعتدادا بتاريخهم النضالي ويدفعهم الغرور لتصديق انفسهم انهم ليست جزء من هذا وحسب ولكنهم كل هذا، بدا منطق الحشود هذا عندنا بصراع هذه المجموعات في نسب كل هذا لها كصراع بينها اولا تقدمه الأكثر لهفة لامتلاك الثورة السودانية وفق تصورهم لانفسهم ولدورهم النضالي وموضوعيا لا يمكن ان نغالط في تضحيات اغلب هؤلاء المتصارعين. ولكن هذا الصراع للتكسب أضر كثيرًا بتطور وحدة قوى الحرية والتغيير وامتلاكها لرؤية تساعد في إنجاز مراحل التغيير والالتزام بقضايا الثورة، وكشف عن ضعف كبير في طريقة تفكير من هم في منصة التحريض ويتجاوز هذا أمثلة يمكن الرجوع اليها في منحى وغلبة خطاب الادانة كأساس للصراع بين قوى التغيير نفسها للأساس الذي قادت به هذه القوى عملية التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي وقاد “نهم” القيادة وتخيل كثيرين لمنطق الحشود كفرصة لبداية التاريخ لظهور قيادات كثيرة لا تمتلك رؤية للمستقبل او دراية بحركة التاريخ، فأدخلت الثورة في دورة اطول لتحقيق التغيير. في ظل هذا الصراع بين مكونات التغيير لم يكن من الممكن بروز قيادة للثورة قادرة على رسم طريق العبور وأصبحت قاعدة التحريض: الطريق يصنعه المشي هي القاعدة عند الثورة وهي عودة بها لمنصة التحريض ولن تكون اساسا للمضي قدمًا وزيادة في كلفة التغيير وتهديد للثورة نفسها وهذا حالنا اليوم: قادة كثر بلا رؤية للقيادة تمتلك فقط نبرات عالية.

#z_gab الفراغ:
عانت عملية تشكل قيادة حقيقية للثورة تنطلق من رؤية لتحقيق أهدافها مما يمكن ان نسميه intellectual gab وساعد كثيرا في قصور الأفكار ومحدوديتها طول الصراع مع نظام الإنقاذ فنشأت افكار وأنماط سلوك تجنح لتغليب خطاب الادانة لا التغيير، وعلّ اتفاقية السلام الشامل في ٢٠٠٥ قد جردت هذا الخطاب من اهم اسلحته ووضعت القوى السياسية امام تحديات اخلاقية في دعاوي خطابها لاسقاط النظام وبرزت مجموعات التغيير وسط الأجيال الأصغر سنًا من قيادات القوى السياسية وحركات المقاومة التقليدية وبتوظيف حالة التذمر من تناقضات الحركة السياسية اكثر اهتمامًا بتطوير ادوات حرب “اللاعنف” ليشكل أداءها رافعة جديدة لحركة المقاومة كانت قمته في سبتمبر ٢٠١٣، ولا ينفصل الرصيد الذي وجده تجمع المهنيين في ثورة ديسمبر الاخيرة عن طبيعة الحراك الجديد وتطور منصة التحريض واستقلالها الكبير عن القوى السياسية التقليدية، في ظل جمود هذه القوى وركونها لمفاهيم تجاوزتها حركة المجتمع لتصبح رؤيتها هي لنفسها وللمجتمع اكثر تناقضًا مع الواقع وبلا قدرة على التأثير في الواقع وقد كشفت كل خطواتها للتصدي لقيادة عملية التغيير عن عدم قدرتها لاستيعاب حرب اللاعنف وسلمية الحراك.

في حرب اللا عنف رهان غير مصرح به عن الإيمان المطلق بالخير في الانسان وان قدرة الانسان على ارتكاب الشر محدودة، وان لأي إنسان يرتكب الشر سيناريو خاص به للخير بقنع به نفسه ويكون هذا معين لعنف البشرية الذي ينضب متى ما امتحنته قوى اللاعنف وسلمية حراك الجماهير، ورغم كلفة هذا الحراك ولكنه الانجع في مواجهة البشرية لشرورها، لذا الإيمان به هو تسليم بفضح سيناريو الخير هذا عند من يرتكب الشر حتى ولو صار الدكتاتور سفاحاً فالبشير لا يختلف عن صدام حسين او ستالين الا اختلاف مقدار وقد يكون اقل قدرا في الشر عن الاثنين بقلة الخيال في سيناريو الخير خاصته وفي قدرته على تصوير الشر في خصومه وهو سلاح السلمية الاول: نحن لا نضمر الشر ابدا، على نحو قوم يا ود الخالة او احنا اهلك يا بليد.

رهان سلمية حركة الجماهير على الخير في خصمها لا يقوم على رهان على شخص بعينه ولكنه رهان على انهيار المنظومة التي تحمي هذا الشر وتعينه على العنف وتمرد أفرادها علي ما تمت برمجتهم عليه كواجب لحماية الجماهير من شرور نفسها وفق ايدولوجيا السلطة القاهرة لتستفيق هذه المنظومة على شر السلطة نفسه، وفي اي سيناريو لانتصار الثورة السلمية يكون حاضر عند من امنوا بانتصارها انحياز جزء مرجح من منظومة السلطة القاهرة للثورة وتحييد ادوات عنفها، وهذا ما حدث منذ بيان ابن عوف، وهو ما يصعب استيعابه الان لغفلة قادة الحراك عن اللحظة التاريخية التي جعلت هذا ممكناً!

افضل تقدير لقوى الحرية والتغيير قامت به من منصة التحريض هو اختيار تاريخ التوجه للقيادة العامة، فقد تغافلت تنسيقية قوى الحرية والتغيير اصوات عدة للتوجه للقيادة العامة ومنذ يناير، واختارت هذا التاريخ وبرمزيته ليكون وحده كافيًا لتسطير هذا التلاحم الذي جعل سقوط الدكتاتور ممكنا وتحييد ادوات العنف متاحاً، الى ان أيقظت الشر مرة اخرى قيادة عدمت الحكمة وناقضت كل فعل الجماهير في ٦ ابريل منذ تصدرها المشهد بعد ١١ ابريل.
الحماقة فعل يقود اليه قصور الخيال ولنا عودة

‫شاهد أيضًا‬

في تدليس الحكومة الذي لا ينقطع

د. معتصم اقرع ادعت الحكومة أن تخفيضها الكبير لقيمة الجنيه البالغ 582 في المائة وسياسة الصر…