
هواء طلق… مفاهيم مغلوطة يجب فحصها
فتحي البحيري
هناك العديد من المفاهيم المغلوطة التي تأخذ عند البعض مرتبة اليقين والعقيدة غير القابلة للتغيير أو النقاش والتي نرى انها تشوش التفكير الثوري السوي والسليم وتعرقل بالتالي الموازنة بين الخيارات المتاحة لمعالجة الإخفاقات والانحرافات التي تحدث في الفعل السياسي والأداء الحكومي ومن أهم هذه المفاهيم المغلوطة
١-أنه من المستحيل وجود وزير أو مسؤول فاسد في حكومات ما بعد الثورة
الصحيح : يجب أن تكون هناك نظم تكشف الفساد وتمنعه وتجتثه في مهده على الدوام لأن البشر ليسو ملائكة في النهاية
وللأسف الشديد فإن مثل هذه النظم ليست موجودة بعد وربما كان بعض أسباب ذلك التداخل الذي نشأ بين مراكز قوى سياسية واقتصادية تابعة للنظام السابق متمثلة في مؤسسات تابعة للقوات المسلحة وجهاز الأمن وغيرها وبين مراكز القوى السياسية والاقتصادية الجديدة. ومن المفهوم أن إخضاع كل تلك المؤسسات لمعايير الشفافية والمحاسبية بجرة قلم أمر تكتنفه الكثير من التعقيدات والصعوبات ولكن حكومة انتقالية بلا قدرة على الشفافية هي مجرد امتداد لنظام البشير مهما ادعت وتطاولت وتمنت وحلمت
٢- سقوط حكومة حمدوك هو نهاية الثورة ونهاية السودان وعودة الكيزان
الصحيح : الثورة عمل قاعدي تراكمي مستمر قبل حمدوك وبعده.. الحكومة الحالية ليس لها أي شرعية سوى رضا “حد ادنى” لدى الشارع والثوار عنها وهي في تركيبتها وأدائها وتراكم اخفاقاتها مجرد محاولة لمقاربة شعارات وأهداف الثورة… وإذا فشلت محاولات تقويمها وإصلاحها وطغت اخفاقاتها ومظاهر فسادها فإن الخيار الثوري التلقائي سيكون هو إسقاطها والاتيان بحكومة أخرى أصدق تمثيلا للثورة منها.
سترتعد بعض الفرائص فزعا ورعبا وستقول لك أن عشية سقوط حكومة حمدوك سينفرط الأمن وتعم الفوضى والخ وليس عليك إلا أن تحيل هؤلاء المرتجفين ارتياعا إلى الشهر الممتد بين ٣ يونيو و٣٠يونيو ٢٠١٩ ليتذكروا ولنتذكر جميعا أن هذه البلاد محكومة الان بأرواح الثوار والشهداء وليس بأي أجهزة أخرى.
٣- الكيزان والفلول سبجدوا فرصتهم بخروج الثوار في المواكب والمليونيات وسوف لن يجدوا هذه الفرصة بعدم هذا الخروج… وسيجدوا فرصتهم إذا سقطت الحكومة الحالية وسوف لن يجدوا هذه الفرصة إذا استمرت هذه الحكومة على علاتها وعلى مفارقتها لنبض الجماهير ومشاعرهم وامتلاء اروقتها بالمحسوبية والفساد والفشل
والصحيح أن المواكب والمليونيات هي الضامن الأول والأخير للمضي قدما نحو تحقيق أهداف الثورة في كل الأحوال والظروف طالما أن الجهة التي تقوم بتنظيمها هي لجان المقاومة والاجسام الثورية الموثوقة الأخرى وطالما التزمت هذه المواكب والمليونيات بالسلمية وبأهداف وشعارات ثورة ديسمبر المجيدة المطابقة مع مفهوم دولة المواطنة الحديثة والحقوق والحريات الأساسية وبناء السودان وفق مبادي العدالة والمساواة والسلام والحرية. والصحيح ان أجواء الفشل والفساد والمحسوبية التي تظل كل يوم تتزايد وتتفشى في ملامح هذه الحكومة هي المناخ الملائم لنمو الكيزان وترعرعهم في كل زمان ومكان.
٤- الأحزاب لا بد من وجودها في السلطة الانتقالية
٥- الأحزاب لابد من عدم وجودها في السلطة الانتقالية
هذان مفهومان متضادان خاطئان كليهما ولكنهما للأسف سائدين كليهما والصحيح انك لا يمكن أن تشترط ابدا ان لا يكون الشخص ذو انتماء حزبي حتى يتسنى الاستفادة منه في موقع مسؤولية إبان الحكم الانتقالي ولكن الأحزاب بشكلها الحالي وبالطريقة التي سيطرت بها على المشهد بعد سقوط البشير مثلت أسوأ نموذج للتناحر والتكالب على السلطة وشكلت الثغرة الاشد اتساعا لدخول سموم المحسوبية والفساد إلى أجواء ما بعد الثورة. فالصحيح هو ابطال وتجريم ومقاومة اي محاصصات تمت أو ستتم على اي من مستويات السلطة الانتقالية.
والمفاهيم المغلوطة كثيرة كما اسلفنا ولكنها كلها قابلة للفحص والتمحيص ولذلك فإن العاصم يظل هو إعمال وإعلاء وتكريس وتعظيم التفكير الثوري النقدي في كل كبيرة وصغيرة وحرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …