
اعطني حرباً اعطيك دكتاتوراً..
محمد فاروق سلمان :
اي حرب بين السودان واثيوبيا لن يكون فيها رابحاً، في الحقيقة ستكون هناك خسارة كبيرة لشعبي الدولتين. وشعوب القرن الافريقي والتي جميعها الان في حالة انتقال سياسي تبدو فيه الديمقراطية وترسيخ العدالة اخر هم حكامها فباتو يبحثون عن النبل في حروب لن تكون مختلفة عن اي حرب اهلية داخل اي من دول القرن الافريقي، لما بين هذه الشعوب من تداخل ووحدة في المصير لن يكون تشاركه من خلال حصاد الموت غير استثمار في الفقر والفساد السياسي.
سيكون من الصعب وفق قاعدة “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” التحذير من الحرب ورفضها، فقد ظلت اثيوبيا وجيشها هي ما يسمى بـpotential enemy للجيش السوداني منذ تكوينه، والعكس أيضا، وبرغم ما تحمله هذه العبارة من اشارات سالبة الا ان تسليح الجيوش من خلال هذا النموذج هو تقليد اقرب لتشارك الحسابات والمهددات في اي واقع اقليمي، منه لتصوير “العدو المحتمل” كعدو حقيقي، وقد يكون هو اخر عدو تخوض معه حرب. وقد ظلت هذه القاعدة اقرب لراي اخر ( second opinion) في مواجهة المخاطر المحتملة، نتيجة لتشابه ظروف هذه الدول واحتمالات نفس الخطر والمهددات لجيوش ظلت معاركها بشكل مستمر مع شعوبها، ومع تفاوت طبعا التجربة في تكوين الجيشين فاثيوبيا وبعد نجاح جبهة تحرير التقراي في قيادة تحالف بين شعوبها (تحالف امتد حتى الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا) لاسقاط نظام الدرك المركزي نجح في الاطاحة بمنقستو هيلا مريام اوائل التسعينات، قد اعادت تكوين جيشها من الجيوش المتحالفة ضد السلطة المركزية في نموذج لم يفلح ابدا في السودان رغم تطاول آماد الحرب الاهلية فيه، فقد ظل الجيش السوداني متماسكا واقدر على الاستمرار رغم توظيفه في الصراع السياسي من خلال ما ظل يعرفه رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بـ”النموذج السوداني الفريد”، ولكن الدولة المركزية في اثيوبيا تعود الان بعد الحرب الاخيرة ضد جبهة تحرير التقراي TPLF انفسهم الذين يواجهون هجمة “الدرك” من جديد فيما يبدو بعد رفض ابي احمد لاي وساطة لحلول سياسية، واستمرار حرب رفاق الامس أعداء اليوم منذ اشتعال حرب “ابادمي” نهاية التسعينات.
يجب ان تعلو اصوات العقل والحكمة على اصوات الحرب، فتحديات دول الاقليم وشعوبه احوج لهذا من حرب يحتاجها الحكام لا الشعوب، وتخوضها الشعوب لا الحكام مهما كتب التاريخ مجدا زائفا للحكام في سيرة الحروب. تاخر السودان في فرض وساطة سياسية قبل نشوب الحرب الاهلية في اثيوبيا وهو تاخر فرضته ظروف السودان الحالية في طبيعة الانتقال المتعثر وتنازع شركاء السلطة وبالتاكيد خلاف حمدوك* نفسه جهل الطبقة السياسية المتنفذة الان بالاقليم وبالسودان وبالثورة التي نفذوا من خلالها للسلطة، (وليس من دليل على هذا اكبر من قدرة ابي احمد في فرض وساطته على المجلس العسكري الانتقالي وانقاذ الحل السياسي مع قحت) ليقابل هذا العبء على السودان والاقليم عبء اخر هو رغبة السلطة الاتحادية في أديس في خوض معركة خاطفة لفرض هيبتها، وموقفها الصارم من اي وساطة!
الرحمة لشهداء الاشتباكات الاخيرة في الحدود، واللهم اغننا بالحكمة عن الحرب. وبسلام الشجعان بدلا من حرب بدات فصولها بالغدر.
* يمكن ان ننظر لقيادة الجيش السوداني في استغلال الحرب الاهلية الاثيوبية لاسترداد منطقة الفشقة كوعي مختلف بالفرص التي اتاحتها هذه الحرب، لكنها بالتاكيد ليس الطريقة الافضل.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …