‫الرئيسية‬ رأي ما بعد وفاة الإمام تحديات حزب الأمة
رأي - ديسمبر 24, 2020

ما بعد وفاة الإمام تحديات حزب الأمة

فاروق عثمان :

من المعلوم ضرورة أن حزب الامة نشأ وارتكز علي الطائفة، فكان الأنصار هم الحاضنة الشعبية والمجتمعية، وحجر الزاوية البشري في جماهيرية حزب الأمة.
ورغما عن أن مؤسس فكرة المهدية الإمام محمد أحمد المهدي لم يقر بمبدأ التوريث في مشروعه الديني والسياسي والتحرري، وعين الخليفة عبد الله التعايشي المنحدر من قبيلة التعايشة في دارفور، خليفة له، رغم انحداره من غرب السودان، متجاوزا إحتجاجات وعدم رضا اقربائه وابناء عمومته من الأشراف، وانصار المركز، ونجد هنا ان المهدي كان متقدم وعيا علي أحفاده، في ضرورة ان يكون مشروعه متجاوزا مسالة التوريث.
يعد أيلولة الأمر الي السيد عبد الرحمن المهدي المؤسس الفعلي لكيان الأنصار وحزب الأمة، حول الحزب الي نموذج اوليغارشي تؤول مقاليد القيادة الروحية والسياسية فيه إلى ال المهدي دون غيرهم من الناس اي ان تكون القيادة الدينية والسياسية بيد عترة محمد احمد المهدي. ولجماهيرية الحزب المرتكز علي طائفة الانصار، آثر بعض المثقفين الرضا بأن يكونوا جزء من هذا النمط، حتي يضمنوا أن يصعدوا الي سلم السلطة، التي لم يكن لها من طريق إلا السير في ركاب إحدي الطائفتين الختمية او الأنصار.
في خضم صعود الامام الصادق المهدي إلى دفة قيادة حزب الأمة، خاض الكثير من المعارك مع مثقفي الحزب وأقربائه، هذه المعارك التي انتصر في غالبيتها رغم ثخين جراحها، مهدت له الطريق إلى القيادة المطلقة والسيطرة علي أمور ومقاليد الحزب والطائفة معا لفترة طويلة ، لم يحسب الإمام الصادق حينها حساب الزمن وتعاقب الاجيال وتغيرات تصوراتها وقناعاتها سوا الفكرية أو السياسة او حتي الوجودية .
فحزب الأمة الآن أمام معضلة كبيرة سيفجرها رحيل الصادق المهدي وقطعا لعدم وضوح الرؤية في الخليفة المحتمل له وهل سيجمع بين الإمامة ورئاسة الحزب ام لا.
، فالامام الراحل بداية رفض الجمع بين الإمامة وقيادة الحزب لعمه الهادي المهدي، حين خاض معركته معه، ولكنه بعد ذلك لدواعي التغيرات وتكتيكات السياسة، تراجع عنها وجمع هو شخصيا بين القداسة والسياسة أي بين إمامة الانصار و رئاسة حزب الامة.
الاشكالات التي سيفجرها رحيل الإمام، تتمثل في ان إبنه عبد الرحمن غير مقبول لا داخل الحزب ولا خارجه نتيجة لضعفه السياسي والفكري و تماهيه مع النظام المباد، حتي سقوطه حيث كام مستشارا ومقربا من المخلوع، مما سيشكل عائق دائم في أن يكون في المشهد السياسي علي المستوي القريب او حتي البعيد، أي أنه اضحي خارج حسابات التوريث وأضحي كرتا محروقا.
الدكتورة مريم ظلت مرافقة لوالدها وفاعلة في الفعل المعارض واكتسبت خبرة في أضابير السياسة وكونت شبكة من العلاقات الداخلية والخارجية ، وهي الأقرب علي الورق لخلافة والدها، في رئاسة الحزب، ولكن هنا تظهر المعضلة التي أوجدها الإمام الراحل بنفسه وهي أن يكون امام الأنصار هو زعيم الحزب ورئيسه، وهو ما لا يسمح المشروع الاسلامي الذي يتبناه الحزب في ان تتولي أمرأة امامة الأنصار مما يشكل مانع هيكلي كبير أمام الدكتورة مريم لتولي المنصبين ، وهذا أيضا سيفتح الباب لآخرين من طامعين ومتربصين ومراقبين، لهم حق الوراثة في الإمامة والسياسة معا في آن، ليخلقوا كثير من الاشكالات لأسرة الإمام ، سوا كان مبارك الفاضل أو أبناء الامام الهادي المهدي، في أحقيتهم في الامامة والزعامة السياسية وفق العرف الذي أوجده الإمام ، فكلهم من عترة المهدي وكلهم ساسة وكلهم رجال.
المعضلة الأخري أو التحدي الاخر هو ان ينشأ تيار من شباب الحزب ومثقفه، او التيار المستتر داخل الحزب في استغلال الموقف والدفع بسياسي أنصاري من خارج اسرة المهدي، مؤهل سياسيا وفقيه دينيا ومقبول جماهيريا، ليكون زعيما جديدا لحزب الأمة منهيا عرف التوريث وباديا مرحلة جديدة في تاريخ حزب الأمة.
علي كل إذما أرادت الدكتورة مريم رئاسة الحزب عليها أولا ان تخرج الثورة المهدية من فكرتها الميثولوجية المرتكزة علي المهدوية وإطارها الديني، وجعل المهدية في إطار ثورات التحرر الوطني الافريقي ، وأن تفصل فصلا تاما ما بين المقدس والسياسي ولا مجال هنا لها إلا ببناء حزب حديث، في قطيعة مع ماضي الحزب، مرتكز علي قيم تواكب الزمن وتطوره وتستصحب تعاقبات الاجيال وتطور البرادايم الجمعي لديمغرافية السودان التي تغيرت كثيرا ليس فقط منذ الإستقلال وانما منذ اخر انتخابات فاز يها الحزب عام 86،فالشباب والأطفال اليوم يمثلون غالبية اهل السودان ومالم يتغير نمط تفكير قادة حزب الأمة فقطعا ستخسر اسرة الصادق الكثير، هذا مع ظهور حركات الكفاح المسلح في دارفور والتي قطعا تمددت جماهريتها الكبيرة هناك علي حساب جماهير حزب الأمة، لكل هذا أمام الدكتورة مريم الصادق فرصة نادرة لإعادة بناء وهيكلة الحزب وفق رؤي جديدة، بما يتوافق مع معطيات الآني وتغيرات التاريخ، وتكون هي قائدة هذا الشي، و اذا فعلت ذلك فستكون رئيسة قادمة بكامل الاستحقاق والجدارة لفنرة التأسيس الثالثة لحزب الأمة .

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …