
الي حميدتي … من الحكمة ألا توقظ الأسد النائم
منتصر عبدالماجد :
تنبئنا تفاصيل القتل اليومي أنَّها (لم تسقط) وتفرض علينا قناعة بأنَّها حتماً (ستسقط)، وستشتعل الموجة الثانية لتصحيح المسار بالتضحيات. كذب من ادعى أنَّها (سقطت)، وقفز فوق المعطيات، وحاول الإيهام بواقع وردي مُكلَّل بشعارات الثورة التي لم ترَ النور قط. فمسلسل القتل اليومي ما زال قيد العرض، (بيوت الأشباح) تستقبل الثوار تعذب وتقتل، سيارات رعب بلا لوحات لم تبرح الطرقات تختطف الأبرياء وتلقي بهم جثثاً أمام المشارح عليها بصمة الوحشية، ويزور الطب الشرعي أسباب وفاة بلا ضمير مهني أو أخلاقي، ولا يطال الضحايا حق ولا باطل بعد إخفاء معالم الجريمة، وكتم سر من أسرار دولة العصابات التي ما بارحنا قهرها إطلاقاً.
جاء حديث الناطق باسم الحكومة، فيصل محمد صالح، ليُميط اللثام عن قوات الدعم السريع، ويكشف أنَّ نصيبها من تركة المخلوع بيوت الأشباح وتوزيع الخوف، تقتل وتعذب وتغتصب في مأمن من العقاب، ويلقي الحديث الظلال على استمرار نشاط جهاز الأمن المنحل، رغم إعلان تجفيف مصادر تمويله الحكومية وتقليل صلاحياته، مما يفتح الباب مشرعاً للتساؤل: من يقف على تمويله ولمصلحة من؟! ولماذا؟! رغم أنَّ أصبع الاتهام يشير بوضوح لمن يمسك بتلابيب الاقتصاد وقرار الدولة، لكنَّه تساؤل مشروع لفضح ادعاء اللجنة الأمنية تفكيك النظام البائد وجعجعتها عديمة الطحين منذ 19 ديسمبر.
كشف حديث الأستاذ فيصل طلسم الجاني محترف القتل خارج نطاق القانون، حديث يستحق الإشادة، وجاء استفاقة من موت سريري انتاب منسوبي الحكومة المدنية بعد عام من الصمت، ويعد ظاهرة صحية أن يفتح الله على وزير ليكشف الحقيقة المعتمة، ونسأل الله ألا يكون العزيز فيصل مكرهاً على البوح بالمسكوت عنه في الشق المدني بفعل ضغوط الشارع وغليانه، بعد أن انكشف المستور وفضحت الجثث استشهاد الأبرياء في أقبية التعذيب السرية، ولكنَّ الإشادة بالأستاذ فيصل لا تجعلنا نغض الطرف عن أنَّ حديثه غاب عنه مفهوم ودور مهام السلطة التنفيذية التي تمنحها التشريعات حق اتخاذ القرار، ويحسب عليه أنَّه أطلق حديثه عبر منصة لا تنتمي لمؤسسات الحكم، وآثر التعبير من منصة النشطاء، مطالباً بإصدار قرار يُخرج المليشيات من المدن ويدمجها في القوات المسلحة، وغابت عليه متطلبات موقعه التنفيذي الذي يتخذ القرار بدلاً عن المطالبة، وهذا يضعف حديثه ويعطي انطباعاً سلبياً عن الحكومة المدنية، ونقصان الإرادة الثورية عند منسوبيها في اتخاذ قرار حاسم يضعها في مواجهة مع الشريك العسكري.
ويبدو أنَّ حديث الأستاذ فيصل رأي شخصي ليس رسمياً ولا يحمل رؤية الحكومة للأمر، رغماً عن ضيق مساحة الفرز بين رأيه الشخصي ومهامه كمتحدث باسم الحكومة، إلا أنَّ مطالبته في حد ذاتها تقودنا إلى أنَّ الحكومة المدنية لا تملك دفة تسيير الحكم، وتحرك خيوط اللعبة أنامل أخرى. تلك الأنامل هي الحاكم والمتحكم الفعلي في إدارة الدولة، علل ذلك اكتفاء المتحدث الرسمي بالمطالبة – دون الإعلان – باتخاذ قرار، وتلك حدود قدرة مجلس الوزراء. الشواهد كثيرة وتتكرر كل يوم داعمة لهذا الاتهام، فالوزراء عينوا بأمر الشعب ولكنَّهم يعملون لصالح اللجنة الأمنية، وتنقصهم إرادة دعم مدنية الحكم.
في الأسبوع الماضي؛ رفضت وزيرة المالية أن تكشف لقوى الحرية والتغيير عن ميزانية العام 2021 في سابقة فريدة من نوعها، ورفضت تخفيض ميزانية المجلس السيادي الضخمة التي سيقلص تعديلها عجز الموازنة لأكثر من النصف، ولا تخفى عن فطنة القارئ أنَّ السيادي هو حرم اللجنة الأمنية التي تستولي على (80%) من اقتصاد البلاد، وتضعه خارج الدورة المستندية لوزارة المالية والمراجع العام، وبماذا نصف تصرف وزيرة المالية سوى الارتماء في أحضان جنرالات الدم والعمل لتمكينهم؟!
أمَّا الواقعة الثانية؛ فهي أشد مرارة من تصرف وزيرة المالية الغريب، كشفه خطاب مهين ذُيِّلَ بتوقيع مدير مكتب رئيس مجلس السيادة، اللواء الصادق إسماعيل، معنون للسيد النائب العام، يحمل في مضمونه توجيهاً للسماح بسفر المتهم التركي، (أوكتاي شعبان حسني)، مالك مجموعة (أسوار) أكبر مصانع الأزياء العسكرية في المنطقة المحجوزة بأمر النيابة، في تهم تتعلق بنهب أموال البلاد لصالح التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وقضايا فساد كبرى، ويدعو للحيرة إذعان النائب العام للجنرال برهان لانتهاك نزاهة العدالة وتشييع حيادية النيابة، وعدم احترام قدسية المؤسسة العدلية التي فصلتها القوانين عن كل السلطات، لضمان أن تكون مستقلة بمنأى عن أي احتمال للتدخل في سير العدالة، ولا تحتَر عزيزي القارئ حين تعلم أنَّ النائب العام ذهب طوعاً للجنرال يحتمي به ليتدخل لصالحه في خلافه مع وكلاء نيابته. وبالطبع؛ أغرى ذلك الجنرال بإمكانية توجيه النائب العام وتطويع العدالة حسب أهوائه، ولا نقول للقارئ إلا (الترابة في خشمنا)، وقد أوكلنا لإنفاذ العدالة شخصاً بهذا الضعف، وافترضنا فيه النزاهة واحترام المهنة وقدسية المهام العدلية الموكلة إليه، وننتظر منه قصاص الدم بالدم، وعلى ثقة باستعادة أموالنا المنهوبة، فيالها من خيبة أمل.
علينا الاعتراف بأنَّ باب منزل الحكومة المدنية مخلوع القفل ويتطلب الإصلاح الفوري لوقف الدخلاء على مبدأ المدنية، فمهمة الحكومة الأولى تتمثل في حماية أرواح المواطنين وإنفاذ سيادة القانون، واليوم يتنمر الدخلاء ورثة إجرام المخلوع على ثورتنا، وتقنن وتوفق أوضاعهم لممارسة مزيدٍ من القتل خارج نطاق القانون، وتهاون من تحملوا ترجمة شعارات الثورة إلى واقع، فهؤلاء الأعداء يدفعون صخرة الثورة إلى الأسفل لتستقر في القاع، ولا يتوانى الثوار لرفعها في كل مرة إلى قمة تعصف بالطواغيت، شيعنا سيئ الذكر إلى كوبر، ونتحفز لتشييع صنيعته المجرم حميدتي ومرتزقته ودمى اللجنة الأمنية التي يحركها بإشارته كما يشاء. فحميدتي هو ما كان ما يهدد به ولي نعمته المخلوع: “لو دقت الموسيقى كل فار يدخل جحره”، وإن سقوط حكمه يعني زوال ما أنعم به علينا من أمن، فحميدتي صنيعه اختارها المخلوع لا يعلم أنَّ هذا المجرم بلا قلب ولا أخلاق، ولا يتورع من ارتكاب الموبقات.
من ألقى بالمخلوع في المزبلة قادر على أنَّ يحطم كل أصنام من صنعه، ولن يجبرنا طاغية بعد اليوم على عبادة عجل الدكتاتورية، فقد نزعنا من قلوبنا الخوف، وأقسمنا بدماء شهدائنا بألا عودة لعقارب الساعة إلى الوراء. وواهم من يظن أنَّ بالقهر يمكن أن تدجن إرادة الشعوب. أيقظ حميدتي دون أن يدري الأسد من نومه، وأخطأ بقتل الشهيد نوري.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …