‫الرئيسية‬ آخر الأخبار تشكيل لجنة تحقيق فض الاعتصام
آخر الأخبار - رأي - مارس 7, 2021

تشكيل لجنة تحقيق فض الاعتصام

كمال الجزولي :

الرأي الذي سأطرحه هنا سبق أن طرحته، العام الماضي، ولكن باقتضاب ربَّما لم يلفت إليه الأنظار، ضمن استطلاع آراء أجرته وجدان طلحة لصحيفة «السُّوداني»، حول تشكيل «لجنة التَّحقيق في فضِّ اعتصام القيادة العامَّة»، برئاسة نبيل أديب، في ديسمبر 2019م، لثلاثة أشهر قابلة للتَّجديد. أمَّا لماذا أعيد نشره، هنا، وباستفاضة، فلهذا سببان: الأوَّل هو ما لمسته من تثبيط للهمم في تصريح لنبيل، إذ راح، بعد أكثر من عام على تكليفه، يبرِّر لبطء إجراءاتهم، بالشكوى من شحِّ اللوجستيَّات، مقارناً، دون وجه للمقارنة، بين حظوظهم وحظوظ المحكمة الجَّنائيَّة الدَّوليَّة (!) ومقلِّلاً، مع ذلك، من إنجاز الأخيرة، طوال 20 عاماً (!) ومعظِّماً من إنجاز لجنته خلال عام واحد (!) مبدياً كامل استعداده لتقبُّل إعفائه من التَّكليف (!) حيث «أننا ليست لدينا مكافآت ماليَّة (!) تجعلنا نتمسَّك بهذه اللجنة!» أو كما قال (الراكوبة ـ نقلاً عن «الانتباهة»؛ 20 فبراير 2021م).
أمَّا السَّبب الثَّاني فهو ما رأيته يؤرِّق، أكثر فأكثر، ذوي الشُّهداء، والجَّرحى، والمفقودين، وأصدقائهم، ورفاق نضالهم، وسائر الثَّوريِّين، ويسهِّد أعين آبائهم وأمَّهاتهم، ويقضُّ مضاجعهم، استعجالاً لنتائج عمل هذه اللجنة، ظنَّاً بأنها ستسكِّن بلبالهم، وتشفي غليلهم، وتريح نفوسهم، بالكشف عن الحقيقة، ومن ثمَّ تحقيق العدالة الجَّنائيَّة لأعزائهم الضَّحايا، بتقديم المنتهكين إلى محاكم ينال فيها كلُّ مجرم جزاءه العادل، وكلُّ آثم ما يستحقُّ من عقاب؛ فهل هذا الرَّجاء قابل للتَّحقُّق؟! الإجابة، للأسف، بالنَّفي المغلَّظ، للآتي:
(1) اللجنة، بطبيعتها، ليست مستقلة، فقرار تكوينها صادر، ابتداءً، ليس من النَّائب العام، بل من رئيس الحكومة، لتعمل بموجب «قانون لجان التَّحقيق لسنة 1954م»، مثلها مثل «لجنة قطران ـ أحداث توريت 1955م»، و«لجنة علوب ـ أحداث يوليو 1971م»، و«لجنة دفع الله الحاج يوسف ـ أحداث دارفور 2004م».
(2) ما من لجنة من هاتيك انتهى عملها بفتح بلاغ، أو توجيه اتِّهام، أو إحالة إلى محكمة. الهيئات التي تخلص إلى ذلك لا يعيِّنها رئيس الوزراء، ولا تخضع لأيِّ عضو في الجِّهاز التَّنفيذي، وتعمل تحت إشراف النَّائب العام، بموجب «قانون النِّيابة العامَّة»، مقروءاً مع «قانون الإجراءات الجَّنائيَّة»!
(3) يكفي النَّظر إلى المادَّتين/ 7 و12 من «قانون لجان التَّحقيق لسنة 1954م» لإضاءة الفارق بين هذه اللجان وتلك؛ فمن جهة تنصُّ المادَّة/7 على مسؤوليَّة لجان التَّحقيق أمام رئيس الجمهوريَّة «رئيس الوزراء بموجب الوثيقة الدُّستوريَّة»، أو مَن يفوِّضه، أو الوزير المختص، وعلى تقديم تقريرها إليه. أمَّا من جهة أخرى، فعلى حين تُستخدم أقوال المتَّهمين والشُّهود أثناء تحرِّيات هيئات النِّيابة، كبيِّنة أمام المحكمة، فإن المادة/12 من «قانون لجان التَّحقيق» تمنع ذلك!
(

يتبع 👇🏼

👇🏼

4) وإذن، فمشكلة «لجنة أديب» الأساسيَّة ليس بطء إجراءاتها، أو تأخُّر نتائجها! كما أن نبيل نفسه أكَّد، في 13 يوليو 2020م، أن تحقيقاتهم «دخلت مرحلة دقيقة»، مِمَّا أعطى أملاً بقرب انتهائها، حسب فضائيَّة أم درمان،. لكنه ما لبث أن صرَّح، في نفس اليوم، لصحيفة «المواكب»، ضمن ارتباك بعض تصريحاته، بأن تحقيقاتهم «تحتاج، كي تنتهي، لما بين سـبع وثماني سـنوات»! مشكلة اللجنة الحقيقيَّة هي أنَّها، سواءً أبطأت أو أسرعت، لن تفي بعشم الملايين في ما يُنتظر مِن هيئة مستقلة تصبُّ تحقيقاتها، في نهاية المطاف، بين يدي محاكم مختصَّة، وقضاة أكفاء. ولا بُدَّ، في هذا الإطار، مِن الأخذ في الاعتبار بالحقائق الآتية:
أ/ اللجنة لا تملك، بالواضح، مثل هذا الاختصاص، ولا هذه الصَّلاحيَّة!
ب/ رئيسها نفسه أفاد، وبلسانه، في لقاء مع قناة الجزيرة، بتاريخ 29 فبراير 2020م، أن تفويضهم ينحصر في «تحديد المسؤوليَّة»، أمَّا تحويل الدَّعاوى إلى المحاكم «فتتمُّ عبر النَّائب العام»! ما يعني الإقرار الجَّهير بأن ما ينتظره الضَّحايا وذووهم ليس جزءاً من عمل اللجنة، وإنَّما هو من سلطة النَّائب العام!
ج/ هذا الإقرار يناقض، من ناحية، حقيقة أن الجِّهة التي شكَّلت هذه اللجنة، والتي ينبغي، من ثمَّ، أن ترفع إليها تقريرها، هي رئيس الوزراء، وليس النَّائب العام؛ كما يناقض، من ناحية أخرى، الزَّعم بأن النَّائب العام قد فوَّض سلطاته لهذه اللجنة!
د/ وحتَّى لو صحَّ زعم التَّفويض، اسـتجابة، كمـا قـيل، لالتمـاس من رئيس الوزراء (!) فإنه لا يعدو كونه مجرَّد «مضمضة شفاه»، أو محض «طق حنك lip service»! أو، في أفضل التَّقديرات، إجراء معيب لا يحقُّ للنَّائب العام أن يتَّخذه، لكونه يثير بلبلة لا حدَّ لها، أقلها أنه يضع اللجنة في ما يماثل موضع «الخنثى مشكل Hermaphrodite» في علم البايولوجيا (!) فلا هي خاضعة، بالكليَّة، لـ «قانون لجان التَّحقيق»، ولا هي خاضعة، بالكليَّة، لـ «قانوني الإجراءات الجَّنائيَّة والنِّيابة العامَّة»!
هـ/ الرَّاجح، والأمر كذلك، أن النَّائب العام نفسه لو سئل عمَّا إنْ كانت هذه اللجنة خاضعة لسلطته، فإنه سينكرها قبل صياح الدِّيك ثلاثاً، وإلا وضع نفسه، بالمجَّان، في موضع المسؤوليَّة عن عملها!
(5) أمَّا بالنِّسبة لـ «القياس الفاسد» الذي أجراه نبيل على عمل لجنة التَّحقيق الدَّوليَّة في أحداث دارفور، قائلاً إنه استغرق 20 عاماً (!) ليبرِّر تأخُّر عمل لجنته، فإن الصَّحيح هو أن الأولى التي شكَّلها كوفي أنان، بتوجيه من مجلس الأمن الدَّولي، برئاسة القاضى الإيطالي أنطونيو كاسيسي، بدأت عملها في الأوَّل من أكتوبر 2004م، واستكملته برفع تقرير إلى مجلس الأمن، فى يناير 2005م، وصت فيه بإحالة Referral الملف إلى المحكمة الجَّنائيَّة الدَّوليَّة. وبالفعل أحال المجلس الملف، في31 مارس 2005م، بموجب القرار/1593، إلى المدَّعي الدَّولي. غير أن الأخير لم يحفل، قدر قلامة ظفر، بما توصَّلت إليه تحقيقات لجنة كاسيسي، بل افترع تحقيقاً مستقلاً انتهى في السَّادس من يونيو 2005م، بتوجيه الاتِّهامات إلى هارون وكوشِّيب وعبد الرَّحيم، ثمَّ أحالها إلى المحكمة الابتدائيَّة Pre – trial Court التي اعتمدتها.
(6) خلاصة الرَّأي عندي، إذن، أنه ليس مِن العدل الاستمرار في إيهام الضَّحايا وذويهم بأن هذه اللجنة تستطيع، طال الزَّمن أم قصُر، توجيه الاتِّهامات، وفتح البلاغات، والإحالة إلى المحاكمات! الحكومة إن أرادت ذلك، ليس أمامها سوى إحالة الأمر برمَّته، مجدَّداً، إلى النَّائب العام الذي لا يجوز له، البتَّة، أن يحفل بتحقيقات هذه اللجنة، مهما بُذل فيها من جهد، أو صُرف عليها من وقت، وإنَّما يتوجَّب أن يفترع، من أوَّل وجديد، تحرِّيات «مستقلة»، ما يعني المزيد من الأعطال، قبل أن يقرِّر رفع الأوراق إلى محكمة مختصَّة. اللهم قد بلغت، ألا فاشهد!

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …