
دستور الفضول
محمد فاروق سلمان:
لم اشغل نفسي كثيرا بقراءة مسودة مشروع الدستور الانتقالي المطروحة من قبل لجنة تسيير نقابة المحاميين، فدوافع كتابة نص دستوري من قبل مجموعة قانونيين (او اي جماعة منفردة) حتى وان كانوا يرون انفسهم “محامون ديمقراطيون”: سيحكمها اما الفضول او الطموح، في ظل غياب اتفاق سياسي. وذلك على نحو ما اعترض الحزب الشيوعي السوداني، وازيد على راي الحزب الشيوعي والذي ربما صدره الاستاذ صالح محمود؛ ان الاتفاق السياسي يجب ان يقوم على التوافق بين كل السودانيين/السودانيات.
هذا لم يحول دون معرفة ما يدور في كيفية صناعة الدستور المعوجة هذه، والتي لم تختلف عن ارث صناعة دساتير في بلادنا تاريخياً، فمنذ الدستور الاول والذي صاغه المستعمر ظلت النخب التي خلفها هذا المستعمر تظن ان كتابة الدستور هو شأنها وحدها، وان الجمهور المعني كجمهور بالتواضع على السلطة وفق هذا الدستور قد لا يكون معنيا بصناعته! ويمكن الاضطلاع على تعليقات بعض القانونيين حول هذا المقترح من قبل قانونيين مثل ELrasheed Hassan Sayed عميد كلية القانون الاسبق والذي تعرض للاخطاء الوحيدة التي لا يجب ان يحويها هذا النص كالتناقضات بين بنوده! غير الابهام الذي حواه، وخلاف الايهام حوله، والتي بحكم مهنية من صاغه يجب ان لا يقع فيها، إذ انه وفي صياغة اي عقد اتفاق واجب القانوني الذي يصيغ هذا العقد وفق اتفاق طرفيه ان لا يحوي العقد اي التباس حول مسؤولية وحقوق الطرفين، حتى انه في حالة ظهور اختلاف حول تفسير نص اي عقد؛ لن تكون المرجعية ابدا ما عناه كاتبه باكثر مما وعاه قارئه.
الدستور هو عقد اتفاق سياسي اجتماعي، واذا اردنا الدقة هو الصياغة القانونية للعقد الاجتماعي، ولا معنى لهذه الصياغة في ظل غياب تعاقدنا الاجتماعي نفسه وتواطؤنا على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وتعريف المصلحة العامة والزام الدولة بتحقيقها او تعزيز فرص تحقيقها، ومنع تهديد المصالح العليا والثوابت الوطنية، وهذه تحديدا تمثل حقوق الجمهور على ادنى مستوياته، وحماية حلقات المجتمع الاضعف، ووفق مفهوم الدولة العمومية inclusive state؛ على الدولة تعزيز فرص المواطنين انفسهم في حماية حقوقهم هذه، من خلال النظام السياسي وهياكل الحكم. وليس القيام بهذا على طريقة الوصايا التي خلقتها الانظمة المركزية، والتي شكلت ثقافة كتابة العهود والمواثيق عندنا، وبالتالي اتاحت ارث نقضها؛ من قبل النخب التي تآمرت بها، قبل الجمهور الذي لم يأتمر عليها!
وفق تطور مفهوم صناعة الدستور حاليا، كثير من دساتير البلدان التاريخية حتى تلك التي تشهد استقرارا سياسيا اصبحت اشبه بعقد الفضول: وهو عقد لا معنى لالتزام احد طرفيه بواجباته إذ لا يمثل هذا الطرف صاحب/ة الحق اصالة ً او حتى بالوكالة، ومهما كانت صياغة عقد الفضول هذا مكتملة وزاهية، الا انها بلا قيمة، ولن تكون باكثر من عقد قران فتاة دون رضاها مثلا ، او بيع اصول دون علم صاحبها، وان كان لقبول اصحاب الحق في عقود الفضول، شرط لمعالجة هكذا عقود دون ضرر، الا ان في صياغة الدستور يمهد دستور الفضول هذا لتناسل الاستبداد واستمراء القهر السياسي!
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …