
ملاحظات فنّية بشأن منشور بنك السودان المركزي الجديد حول سياسات شراء وتصدير الذهب
فاروق كمبريسي
كيف أثر وسيؤثر مبدأ تضارب المصالح في ملف الذهب على شل/ وأد قدرة بنك السودان المركزي في استصدار المنشورات الناظمة لسياسات شرائه وتصديره؟
كما تعلمون فقد أقرت اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية في مؤتمرها الصحفي أمسية 16 يونيو 2020م، #سياسات_كارثية في شكل ضوابط لشراء وتصدير الذهب وهي “كوبي & بيست” لسياسات النظام البائد. بالاضافة أن ما ورد بالمنشور لا يختلف كثيراً عن المنشورات الصادرة حتى يناير 2020 وخاصة المنشور رقم (5/2020) عدا الفقرة رابعاً التي احتوت على عدم السماح للجهات المصرح لها بتصدير الذهب إلا بعد تصفيته بمصفاة الخرطوم للذهب (تم استبدالها في أولاً أدناه).
قبل إبداء رؤيتي المتواضعة، نود الافادة بأنه هذه أول مرة أقدم فيها ملاحظة بشأن منشور صادر عن البنك المركزي، لأننا نتوقع في عهد الثورة المجيدة تحسن الأحوال وإفساح المجال #لشباب_البنك_المؤهلين حقاً لتصميم ورسم السياسات. إلا أن ذلك لم يحدث بسبب تضارب المصالح البائن وللأسف تحت مرأى ومسمح الحكومة وحاضنتها السياسية، لذا دعوني استعير جملة من الحراك الأمريكي بعد مقتل فلويد، وهي أن #استقلالية_البنك_المركزي_مهمة
#Central_Bank_Independence_Matter
#بناءً على ما ذُكر آنفاً، يمكنني بإيجاز تقديم الملاحظات الفنية التالية:
#أولاً: يسمح المنشور بتصدير الذهب بجميع أشكاله خام أو مصفى
1. طريقة تصدير الذهب الخام تزيد من عملية هدر الموارد، وبالتالي عندما تتم التصفية والمعايرة لطن الذهب الخام لعيار 21 في دبي، سيكون البيع بالصافي فقط وهو في حدود 875 كليو جرام بدلاً من واحد طن (1000 كيلو جرام اي واحد طن) وبالتالي نفقد ما نسبته 12.5% من كل واحد طن. وهنا نقصد الذهب الحر (الذهب المنتج بواسطة المعدنيين الأهليين).
2. لا يتسق ما ورد المنشور مع رؤية الحكومة الانتقالية حيث التوجه من تصدير السلع الخام الأولية إلى التصنيع لتحقيق القيمة المضافة. وتصدير الذهب الخام يحرم الوطن من عائد دولاري كبير جداً من المنتجات الجانبية (by-products) الناتجة عن عملية التصفية مثل الفضة (تجدر الاشارة إلى أن تصدير الذهب خام استفادت من شركة الكالوتي في الامارات بشكل خرافي منذ 2011م وحتى وقت قريب) وهي الشركة التي ييبع لها البنك المركزي بصورة حصرية في العهد البائد!!!! والمنشور سيجعل الشركة تحتفل من جديد.
3. ومثال على ما ورد في النقطة رقم (2) فإن الفاقد الثانوي في شكل فضة إذا صدرنا 10 طن ذهب خام (في كل طن خام القضة تمثل 8%) وفي ال 10 طن ذهب يكون فاقد الفضة 800 كيلو وهذه قيمتها بافتراض أوقية الفضة تساوي 17.5 دولار سيكون العائد 500 ألف دولار أي نصف مليون دولار (تغطي التكاليف التشغيلية للمصفاة خلال العام)- هذه ملاحظة الخبير في المجال/ عبدالعظيم الأموي.
#ثانياً: ربط تصدير الذهب الحر (ذهب المعدنيين الأهليين) بعملية الأوزان والمعايرة من قبل الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس (SSMO)
1. هذا أخطر بند تغاضى عنه المنشور بهدف خدمة أجندة تضارب المصالح لأن المعاير وفق هيئة المواصفات تتسم بإشكالات جسيمة ويؤثر ذلك بشكل مباشر على احتساب حصائل الصادر والعائد المتوقع منها حيث يتم التلاعب بالعيار المطلوب، وهنا تتم عملية التلاعب بفواتير الصادر (Exports Mis-invoiving)، حيث يتم تسجيل كميات أقل من الذي يجب تصديره فعلاً عبر المطار بعد أخذ موافقة بنك السودان المركزي.
2. تسمح عمليات التلاعب هذه بالسماح للمصدرين المحتملين من شركات القطاع الخاص، وشركات القطاع الخاص (التابعة للمؤسسة العسكرية)، بالاحتفاظ بجزء كبير من حصائلهم بالخارج، حيث أن السعر الرسمي سيكون غير مجزياً لأن التنافس على شراء الذهب الحر سوف يرفع سعر الجرام للنطاق الأعلى (مع العلم حتى لو المضاربة لا سمح الله رفعت سعر الجرام لمستوى أعلى من السعر العالمي فإن هناك شركات مستعدة للشراء لتتخلص من سيولتها الضخمة بالعملة المحلية، وتحول أرباحها للخارج).
3. نظراً للفرق الجوهري بين تحليل المواصفات والمقاييس لدينا وتحليل المواصفات بدبي فإن ذلك يعني لا يتم قبول تحليل مواصفاتنا في دبي وغيرها من الأسواق.
#ثالثاً: حصيلة الصادر من الذهب الحر وذهب مخلفات شركات التعدين
1. المنشور كرر سياسة قديمة تقريباً من 2011-2012 وهي السماح للمصدرين بيع حصائلهم لعميل مستورد آخر أو عميل في مصرف آخر خلاف المصرف الذي يتعامل معه، أو للبنك… إلخ.
هذا سوف يؤدي لبيع الحصيلة في شكل مزاد وتفاوض وسمسرة (يقودها للأسف بعض النافذين في المصارف العاملة ودورهم في توفير المعلومات لايجاد مستورد يقابل صاحب الحصيلة) وبسعر يفوق سعر السوق الموازي نتيجة العمولات (أي تلك الحرية في التصرف في الحصيلة سوف تفرز سعر أعلى من السائد في السوق الموازي).
هذه الممارسة ستختفي حال تم تحرير سعر الصرف بالكامل؟ هل هذا يعني فعلاً اللجنة سوف تحرر السعر؟؟ ربما!!!!!
2. تكلفة الحصول على الذهب الحر بعد فتح مجال المنافسة للجميع هو ربما يرفع سعر الجرام كما أسلفنا وسيعوض المصدرين ذلك بالحصول على مزيد من الجنيهات مقابل الدولار.
#رابعاً: السماح بتصدير الذهب الخام، لا يتسق وقرار السيد/ رئيس الوزاء بضرورة إنشاء بورصة للذهب والمعادن في السودان ونتمنى أن يكون قرار اللجنة مؤقتاً، حتى لا يحد من إمكانية تطوير مصفاة الخرطوم وتأهيلها لتعظيم الفائدة من عملية التصفية من خلال انتاج المعادن الثانوية المشار إليها. تجدر الاشارة إلى أن الخطورة في عدم قيام البورصة وتوقف المصفاة، أن يتم توظيف رأس المال الأجنبي الممنوع وفق المنشور من تقديم نفسه بواجهات سودانية في شكل شركات وهمية بأسماء سودانية على غرار الاجانب في أسواق المحاصيل وغيرها، وهنا سوف يشتعل السوق الموازي كثيراً بسبب ال interplay بين تجارة الذهب والعملات الأجنبية.
#خامساً: نقطة إيجابية وهي مهمة أن المنشور أعطى الحق لبنك السودان المركزي في شراء الذهب فقط من أجل بناء احتياطيات عينية، وفق قانون بنك السودان المركزي. وهنا لابد من السؤال لماذا نصدر الذهب؟ ومن الأوجب بناء احتياطيات من الذهب (يمكننا مبادلتها مع البنوك المركزية مستقبلاً للحصول على العملة الأجنبية المطلوبة).
ثم نتخلص من دعم المحروقات (2 مليار دولار) حتى لا نضطر كل مرة تعديل المنشورات من أجل إرجاع عائد صادر الذهب. ونبقي فقط الدعم للأدوية (400 مليون دولار وفق آخر رقم في الموجز الاحصائي للتجارة الخارجية 2019) والقمح (مليار دولار).
#الخلاصة (Bottom-Line): ليس بصادر الذهب وحده يحيا الاقتصاد السوداني (أنظر للرسم البياني أدناه) فقد كان صادر الذهب بواسطة بنك السودان في أقصاه مبلغ 2.1 مليار دولار في عام 2012م وبعدها أستمر ليكون في المتوسط حوالي مليار دولار حتى 2019م. وبالتالي عائد الذهب سيكون (بندق في بحر) فقط.
على اللجنة العليا (ترك استراتيجية الكوبي بيست) وتدرك أنه في المتوسط نحتاج 8 مليار دولار لسد فجوة النقد الأجنبي، والمضي قدماً في إصلاح نظام سعر الصرف. كما أنه بخروج بنك السودان وافساح المجال للقطاع الخاص لشراء وتصدير الذهب ربما تكون المحصلة النهائية محبطة لعدم وجود ضوابط جادة على الحصائل.
وبالتالي نتطلع لحلول أكبر مستقبلاً. وعليه، لابد من ترك البنك المركزي بعيداً عن التأثيرات الجانبية هنا وهناك ليضطلع بوضع سياساته في العهد الجديد، والبنك المركزي يعج بالكفاءات الشبابية في هذا الشأن. ولإن لم يتم ذلك سيظل الوضع بكل ثقله كما هو وستطول معاناة الشعب السوداني المعطاء.
بناءً عليه، وفي تقديري المتواضع، أن المعضلة الاقتصادية التي نعاني منها حالياً، تقع خارج منحنى إمكانات اللجنة العليا للطواري الاقتصادية (HCEE) وسوف نناقش الأمر في تطورات أخرى قادمة.
I think our current economic woes lies above the HCEE Possibility Frontiers. We will discuss further in other technical notes in the upcoming days.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …