رأي - سبتمبر 29, 2020

الجاهزية

مرتضى فراج :

وعندما سأل مقدم برنامج شاهد على العصر الراحل الترابي عن اسباب انحراف الاسلاميين في السودان عن شعاراتهم الدينية وعدم العمل بها وما وصلوا اليه من فساد وظلم وبطش يشار له بالبنان رد عليه بانهم لم يكونوا جاهزين للسلطة وانهم كانوا يرددون هذه الشعارات عندما كانوا خارج السلطة وعندما تسنموها لم يكن لديهم اي برنامج وطني واضح سوى تمكين انفسهم في السلطة فافتتنوا بها واغرتهم ففسدوا وتباروا في تضخيم ثرواتهم على حساب المواطن واضاعوا الامانة فظلموا وبطشوا.
وبغض النظر عن راينا في الراحل وهو بين يدي عزيز مقتدر لكن يمكننا ان نقتبس من اجابته الصادقة الكثير من المعاني التي تقود الى فساد الدولة فعدم وجود برنامج
وطني واضح يتمثل في قوانين عادلة تحدد اختصاصات كل مسؤول وواجباته وما يترتب على عدم التزامه بها سيقود مباشرة الى فساد الدولة لان النفس البشرية مهما كان نقاؤها لابد لها من راع يردعها ( القانون) ووازع يحكمها (الدين والاخلاق) والا انفرط عقدها وتلوثت بطين الفساد.
والناظر لسيرة الخلفاء الراشدين ومن سار على نهجهم من التابعين (عليهم رضوان الله اجمعين) تجد انهم اول ما كانوا يفعلوه عند تولى الامور هو وضع معايير الحكم حيث تتم البيعة على اساس الحفاظ على مبادئ الاسلام التي ليس من بينها الظلم والطغيان والجبروت واكل مال الناس بالباطل فيبدأوا بانفسهم وياكلوا اكل البسطاء والعامة ويسكنوا سكنهم ويعيشوا حياتهم البسيطة ويشيعوا العدل بينهم
ولو على انفسهم فلم يخشوا رعيتهم لانهم اول من التزم بتعاليم الاسلام فلم يمدوا اياديهم الى حرام ولم يغلبوا هواهم ومصالحهم وجاهدوا انفسهم ولم يسمحوا لها بالتجاوز في ابسط الامور.
وعلى ذات النهج عمدت المجتمعات الغربية الحديثة من خلال مامرت به من تجارب انسانية على مر القرون والحقب الى اشاعة التربية الوطنية واعتبار المسئول السياسي مجرد موظف حكومي يتقيد بالاخلاق والقانون ولا يتجاوز صلاحياته والا انتاشته سهام المجتمع والاعلام والرقابة الرسمية وحاكمه الشعب على افعاله لذلك لا يشعر المسئول بان صلاحياته مطلقة (ويسرح في خلق الله) ويضيع في المليارات وشعبه واقف في الصفوف فكم راينا رئيس يحاكم ويعزل لشبهات يعتبرها القانون عندهم فساد وعندنا (زي شراب موية الزير)وبذلك حافظوا على استقرارهم السياسي من التغول الفردي والفساد السياسي ولقد راينا كيف كان الرئيس الامريكي السابق اوباما يجمع اغراضه الخاصة بنفسه من السكن الرئاسي بعد انتهاء ولايته ويغادر الى مسكنه الخاص كاي مواطن عادي وقرأنا عن تاخر احد رؤساء بريطانيا في اداء القسم عندما علقت سيارته الخاصة في زحام الطريق وكان تبرير موظفي العلاقات العامة في القصر الرئاسي بان القانون والاعراف لا تسمح بارسال العربة الرئاسية له لانه لازال مواطن عادي لم يؤدي القسم
ولا يستحق التمييز وعلى ذلك لا يتهاونون في الالتزام الصارم بالقانون والاخلاق العامة في كل ماهو عام ، لذلك ذهبوا بغيدا وتطورت مجتمعاتهم.
وتجربة الحكم في سودان ما بعد الثورة فيها سيولة وفراغ قانوني كبير فيما يتعلق بصلاحيات المسئولين السياسيين وما نقرأه وما نسمعه ونراه من مواقف تؤكد انه لا توجد حاكمية ومرجعية توضح علاقة المسئول بالشعب بل هي تقسيم للمناصب بين العسكر والمدنيين ولا توجد ادنى معايير للشفافية حيث يمكن ان يتفق وزير المالية مع شركة يملكها نائب رئيس المجلس السيادي لتوريد القمح حتى لو كان بسعر اقل فان مثل هذه التصرفات تمثل بيئة حاضنة لفساد الدولة ومسؤليها وتمكينهم من رقاب الناس ومعاشهم وكذلك ما يجري من مفاوضات لا يعلم عنها الشعب شيئا وما هو ثمنها والهدف منها الا من خلال تغريدات الاعلاميين الاسرائليين في موقع تويتر يمثل ايضا وجه سافر لاستبداد الدولة وعدم احترامها لمواطنيها وما نقرأه من نثريات مليارية شهرية لاعضاء المجلس السيادي وفقدان بعضهم لها من داخل مكتبه ياطر لفساد دولة جديد.
وامعانا في التعتيم وسلب الحقوق فقد عمد الشريكان الى التراخي في تفعيل اليات الرقابة الشعبية والدستورية بعدم تشكيل البرلمان والمحكمة الدستورية ليستطيعا انفاذ ما يتفقان عليه دون اي رقابة شعبية ودستورية وخرق كل ما يقف في طريقهما دون مساءلة وتشكيل الوضع السياسي بمعزل عن القاعدة الجماهيرية.
المرحلة الانتقالية لا تعني الفوضى والسلبية السياسية وتقاسم المناصب والمزايا بين العساكر والاحزاب السياسية بل يجب ان تكون مرحلة لارساء اساس دولة القانون وليس تفصيل القوانين لاغراض سياسية بحتة ولكن لوضع اطار قانوني عادل وشامل يمنع فساد الدولة وفساد المواطن على حد السواء لاجل نماء الوطن ككل بحيث تكون المرجعية للقانون وليس للاشخاص ونفوذهم.
ان الاعتقاد الخاطئ بان الفساد يكمن فقط في ما اقترفه نظام البشير الغاشم وغض النظر عمدا عن فساد المسؤليين الحاليين سيؤدئ في النهاية الى نفس النتيجة والخواتيم دولة يستشري فيها فساد المسؤلين والمواطنين و ينعدم فيها الالتزام بالقانون والاخلاق وتباع فيها الذمم بابخس الاثمان.
اكاد اجزم ان اغلب الاثرياء الحاليين بنوا ثرواتهم من مال المواطن شجعهم على ذلك فساد الانظمة الحاكمة السابقة وبالذات الانقاذ وضعف ذمم المسئولين وتهاونهم في حماية مال المواطن بل اشتراكهم معهم في اغلب صفقاتهم الفاسدة مقابل ما يتلقونه منهم من مزايا وعطايا.
ان عدم الجاهزية القانونية والاخلاقية للحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري في تولي مهام الحكم بشفافية ونزاهة بحيث تغلب مصلحة الوطن والمواطن على المصالح الاخرى هو اخطر تحدي تواجه الآن.
نسال الله لنا ولكم العافية

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …